الخميس، 5 مارس 2009

توقيف البشير وأوديد ينون وتقسيم مصر


قرار المحكمة الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير يفرض علينا كعرب أن نتنبه لما يحيط بنا من مؤامرات ، فالقضية لا تتعلق بالسودان أو عمر البشير وحده ، إنما الأمر أكبر وأخطر من ذلك بكثير.
ولذلك سنحاول أن نقدم في هذا المقال قراءة في دراسة صهيونية صدرت في بداية ثمانينات القرن الماضي، وقد سبقني في الكتابة في هذا الموضوع أساتذة كبار ولكن لاحياة لمن تنادي.
الدراسة كتبها أوديد ينون بعنوان: «استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات (Strategy for Israel in the Nineteen Eighties) ونشرت بالعبرية في فبراير 1982 في مجلة «Kivunim» التي تعنى بالشأنين اليهودي والصهيوني، وقام البروفيسور إسرائيل شاحاك الناشط الحقوقي الإسرائيلي المعروف بترجمتها إلى الإنكليزية في حزيران (يونيو) من العام نفسه ونشرت تحت عنوان «الخطة الصهيونية للشرق الأوسط (The Zionist Plan for the Middle East) بعد أن كتب لها مقدمة وخاتمة أكد فيهما أن هذه الدراسة هي الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وتعبيراً عن حقيقة ما يدور في العقل الصهيوني.
ترى الحركة الصهيونية أن أمن إسرائيل لا يتحقق من خلال التفوق العسكري وحده، رغم أهميته القصوى، ومن ثم فإن الحاجة ماسة لتفكير استراتيجي جديد ومختلف. ووفقا لهذا التفكير يتعين على الحركة الصهيونية أن لا تسمح بقيام أو استمرار وجود أي دولة مركزية كبرى في المنطقة وأن تعمل كل ما في وسعها لتفتيت ما هو قائم منها وتحويله إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية. فإذا نجحت في ذلك تكون ضربت عصفورين بحجر واحد، الأول: أن تتحول إسرائيل نفسها إلى دولة طبيعية تقوم على أسس لا تختلف عن بقية الدول المجاورة، والثاني: أن تصبح إسرائيل هي الدولة الأكبر والأقوى والأكثر تقدما وبالتالي تأهيلا وقدرة على قيادة المنطقة والسيطرة على تفاعلاتها، وهو ما يمكن أن يسمح لها بأن تلعب دور ضابط الإيقاع الذي يتولى تنظيم وضبط علاقات المنطقة وفق رؤاها ومصالحها الخاصة.
بات الآن واضحا، وبما لا يقبل أي مجال للشك، أن الحركة الصهيونية بقيادة إسرائيل لعبت دورا محوريا في جر الإدارة الأميركية السابقة إلى غزو العراق، وأن الإدارة الأميركية تصرفت في العراق وكأنها أداة في يد حركة صهيونية تضع تقسيم العراق على رأس أولوياتها باعتباره مقدمة لإعادة رسم وتخطيط المنطقة.
تتكون هذه الوثيقة العبرية من احدى عشرة صفحة، التي صاغها اوديد ينون في عام 1982م عندما كان موظفاً بوزارة الخارجية في تل ابيب، واستمرت صلته بها بعد ان خرج منها بعد تكليفه بتنفيذ خطته الرامية إلى تفوق اسرائيل على كل جيرانها العرب،
تعتبر الوثيقة اليهودية الناطقة باللغة العبرية والصادرة في عام 1982م عن المنظمة الصهيونية العالمية التي تعرف باسم «الكيفونيوم» التطبيق العملي لنظرية الدكتورهنري كيسنجر القائلة بضرورة تقزيم الدول العربية، وعملقة اسرائيل حتى تستطيع ان تحكم أو تتحكم أو القيام بالدورين معاً في اقليم الشرق الاوسط.
جاء هذا الدور التآمري على العرب الذي اراد القيام به الدكتور هنري كيسنجر من موقعيه الوظيفيين مستشار الأمن القومي الامريكي مع بداية عام 1968م باختيار الرئيس ريتشارد نيكسون له للقيام بهذه المهمة التخطيطية « الاستراتيجية» وزاد "الطين بلة" جعله يجمع بين التخطيط والتنفيذ بالجمع بين الأمن القومي بكل ابعاده التخطيطية وبين وزارة الخارجية بكل سبلها التنفيذية اعتباراً من شهر اغسطس عام 1973م، غير ان "ربك الحميد" فشل هذه المؤامرة الامريكية الاسرائيلية على العرب عن طريق الاطاحة بالرئيس ريتشارد نيكسون من سدة السلطة والحكم في واشنطن بطرده من البيت الأبيض في يوم 9 اغسطس من عام 1974م بفضيحة الووتر جيت.
تؤكد الوثيقة على ان استمرارية اسرائيل في الوجود يتطلب تمتعها بقوة مفرطة تمكنها من الهيمنة على اقليم الشرق الاوسط، وهذا يستدعي بالضرورة تفكيك الدول العربية حتى تصبح دولا صغيرة الحجم وضعيفة القدرة، واقل فعالية وتأثيراً على الحياة الاجتماعية وتحديد مسارات الرأي العام، وعاجزة عن منافسة اسرائيل على الزعامة في اقليم الشرق الاوسط، ويبرر اوديد ينون هذا التغيير الذي يطالب به في الوثيقة ان حجم الدول العربية القائم حالياً على ارض الواقع قد رسمته الدول الغربية الاوروبية اما بعد سقوط الباب العالي في الاستانة وغياب الدولة العلية العثمانية، واما بعد رحيل بريطانيا وفرنسا من الاراضي العربية بعد الحرب العالمية الثانية، فراعت الدولتان مصلحتيهما المستقبلية بعد غيابهما العسكري من هذه الدول.
تبدل المواقع في الزعامة الدولية خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي فرض هيمنة أمريكا على العالم، التي اعطت اسرائيل حق الهيمنة «من الباطن» على اقليم الشرق الاوسط وتؤكد الوثيقة ان هذا الوضع يعطي واشنطن وتل ابيب الحق المطلق في اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط وفقاً للمصالح الامريكية والاسرائيلية في الاقليم بكل انعكاساته على مصالحهما في العالم باعتبارهما جسدا سياسيا واحدا بهموم استراتيجية واحدة.
تؤكد الوثيقة العبرية على ضرورة العمل الجاد من الجانبين الامريكي والاسرائيلي على اعادة الاوضاع إلى ما كانت عليه بعد الانتصار الاسرائيلي على العرب في يوم 5 يونيو من عام 1967م ومحاولة طمس معالم ونتائج زيارة الرئيس المصري محمد انور السادات إلى القدس، وخطابه في الكنيست وتشويه ما جاء فيه وربطه بالتحدي المصري لاسرائيل لانه يتحدث اليهم من موقعه في الانتصار عليهم في يوم 6 اكتوبر من عام 1973م، وتطالب الوثيقة بوضوح الغاء اتفاق السلام المبرم بين مصر واسرائيل في كامب ديفيد بشهر مارس من عام 1979م وتستند الوثيقة في هذه المطالبة إلى انه لا يحق لاحد من اليهود أو الاغيار التنازل عن سيناء باعتبارها جزءا من ارض الميعاد، وهذا التخريف الفكري يغلف الحسرة الاسرائيلية على فقدان خيرات سيناء من البترول والغاز الطبيعي والمواد الاولية والعائد السياحي بتسويق شواطئها الخلابة على البحر الأحمر.
تحرض الوثيقة اليهودية على التحرك في الاتجاه الذي يوصل إلى تفتيت مصر باقامة دولة قبطية في الصعيد، ودولة نوبية تشمل أهل النوبة بمصر والسودان ومحاصرة مصر عند دلتا النيل في الشمال واعادة سيناء إلى اسرائيل اما بالطرق السلمية عبر المفاوضات واما بالحرب من خلال رفع السلاح والوثيقة ترمي أيضاً إلى تمزيق السودان فبجانب سلخ جزء منه وضمه إلى مصر ليشكلا معاً اقليم دولة النوبة يقسم الوطن السوداني إلى دويلات في الجنوب والشرق والوسط لتقام على ارضه الشاسعة أربعة دول وفقا للخطة التي تتضمنها الوثيقة اليهودية.
إذا تركنا هذا الجزء من الوطن العربي في القارة الافريقية وانتقلنا إلى الجزء من الوطن العربي في القارة الآسيوية لوجدنا هذه الوثيقة اليهودية تتحدث بعنجهية عن حتمية تفتيت سوريا ولبنان والعراق إلى دويلات صغيرة تتم التفرقة بين هذه الدول على معايير دينية وعرقية.
المسلك العسكري الامريكي في العراق يستهدف اقامة دويلات فوق ارض العراق، واتهام امريكا لسوريا باغتيال رفيق الحريري يرمي إلى تمزيق سوريا، والتعدي الامريكي على لبنان بالتحريض على مخالفة الدستور دمر التوازن الطائفي في حكم لبنان، واتخاذ الحل من طرف واحد في اسرائيل فتت الوجود الفلسطيني وحصر الدولة في قطاع غزة، وهو نموذج لتقزيم الدول العربية وعملقة اسرائيل ومباركة امريكا لكل ما يخدم اسرائيل في اقليم الشرق الاوسط يجعل الوثيقة اليهودية وثيقة امريكية بجانب كونها وثيقة اسرائيلية.
ولذلك ليس غريبا أن نرى الولايات المتحدة وكلبها المطيع (بريطانيا) وحليفتها فرنسا يستميتون ضد أى محاولة لتنفيذ أمر توقيف الرئيس السوداني.

ليست هناك تعليقات: