
من أهدر دماء الجنود؟
بقلم / سامي محمود
حتى كتابة هذا المقال بلغ عدد الشهداء من الجنود المصريين في أحداث ماسبيرو 24 شهيدا و213 مصابا وفقا لتقديرات وزارة الصحة المصرية .
الجميع يتحدثون عن أسباب تفجر الموقف ويحيله إلى تعدد حالات تعرض الكنائس المصرية لعمليات الحرق بداية من كنيسة القديسين ثم كنيسة العمرانية فالعياط فصول وصولا إلى إحراق كنيسة الماريناب بإدفو وقبلها جميعا أحداث أخرى كثيرة أبرزها أحداث الكشح.
المتحدثون برعوا في التحليل وتقريبا اتفقوا تماما على أن عدم إعمال القانون وعدم إقرار قانون دور العبادة الموحد كان السبب الرئيسي في تفجر أحداث ماسبيرو وطالبوا باستدراك الخطأ وإقرار القانون لتفادي أي أحداث مشابهة في المستقبل.
في الحقيقة أنا أتفق مع هذه التحليلات وإن كان لدي بعض التحفظات ربما أعود إليها في مقال لاحق ، ولكني سأتوقف هنا عند الدماء ... دماء من استشهدوا ومن أصيبوا من جنود مصر في عيدهم ، عيد انتصارات أكتوبر المجيدة وبأيد مصرية أيا كان التوصيف الذي ستتوصل إليه تحقيقات النيابة لأصحاب هذه الأيادي.
وهنا سأتوقف ثانية عند بعض الملاحظات:
1- أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي تسيل فيها كل هذه الدماء من جنودنا البواسل على تراب مصر وليس دفاعا عنها وبأيد لم يدر في خلدنا يوما أن تحمل كل هذا القدر من الغدر والخيانة ليس للجنود وحدهم وإنما لمصر كلها.
2- هذا العدد من الشهداء (24 شهيدا إلى الآن) يزيد عن أو ربما يساوي عدد الشهداء الذين قتلتهم آلة الحرب الاسرائيلية على مدار حكم مبارك منذ الشهيد الشهير (سليمان خاطر) حتى جنودنا السبعة في عهد المجلس العسكري قبل شهرين تقريبا ناهيك عن عدد المصابين غير المسبوق.
3- في حالة شهدائنا الذين قتلتهم اسرائيل كنا نحيل الأمر إلى هيمنة إسرائيل ومن ورائها أمريكا على السلطة السياسية في مصر وحالة الانبطاح المهين التي مارسها مبارك ونظامه طيلة سنوات حكمه ... والسؤال: أي هيمنة وأي انبطاح أهدر دماء شهدائنا اليوم؟ وهل هناك هيمنات أخرى وانبطاحات أخرى تهدد أرواح أخرى لجنود آخرين في المستقبل؟
4- هناك تهديدان مباشران سبقا حادثة اغتيال الجنود الشهداء:
الأول: جاء في البيان المشترك الصادر عن أحزاب "الفلول" قبل أيام، والذى هددوا فيه بتنفيذ أعمال عنف واستخدام البلطجة والإرهاب كورقة ضغط للعودة للبرلمان القادم، وعلى الأخص التهديدات بقطع الطرق والسكك الحديدية وكابلات التليفونات والكهرباء، واقتحام مقار اللجان واحتلال المحافظات، وإحداث فوضى عارمة فى البلاد باستخدام الأساليب الغوغائية على حد قولهم، ردا على المرسوم المرتقب بعزل قيادات الحزب سياسيا .
الثاني: انتقاد جورج إسحاق، عضو لجنة العدالة الوطنية بمجلس الوزراء، الطريقة التى تعاملت بها قوات الأمن مع المتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو مساء يوم الأحد، مهددا بقطع يد أى جهة تحاول مد يدها على أى متظاهر، سواء كانت هذه الجهة من أجهزة الأمن أو الشرطة العسكرية وقال إسحاق فى مداخلة مع برنامج "الحياة اليوم" على قناة الحياة محدش يمد إيده على حد، واللى هيمد إيده على حد هنقطعهاله..وهنتصدى بكل قوتنا للكلام ده.
التهديدان السابقان صدرا عن شريحتين تشغلان حيزا كبيرا داخل المجتمع المصري (الأقباط والفلول) ويمثلان مع ما اصطلح على تسميتهم بعد الثورة "القوى السياسية" الثلاثي الذي يملأ الساحة السياسية المصرية الآن … والذي رأى المجلس العسكري بخبراته السياسية الضحلة المفاوض الوحيد له على مقدرات شعب مصر سواء بحسن النية أو بغيرها.
الضلع الثالث من المشهد السياسي المصري الآن وهو القوى السياسية قد أدرك غايته … وليس أدل على ذلك من احتجازه ثلثي مقاعد مجلس الشعب القادم واخترع تحالفات غريبة بالمخالفة لما تعارف عليه العالم أجمع حيث تجري التحالفات بعد نهاية الانتخابات للوصول إلى الأغلبية في البرلمان أما في حالتنا - وقد تكون الوحيدة في العالم - فقد جرت تحالفاتها قبل الانتخابات والهدف تقسيم التورتة كل على قدر حجمه وجهده وماله.
هذه الكعكة التي تتقاسمها القوى السياسية الآن جاءت بعد مجموعة من المفاوضات والمداولات بينها وبين المجلس العسكري حيث بدأت بثلث المقاعد للقائمة والثلثين للفردي ثم (المناصفة) النصف للقائمة والنصف للفردي ثم أخيرا الثلث للفردي والثلثين للقائمة وبعدها إلغاء المادة الخامسة من قانون الانتخابات ليتيح الفرصة لتلك القوى لزيادة نصيبها من تلك الكعكة التفافا على إرادة الناخبين الحرة.
إن الطريقة التي تعامل المجلس العسكري بها مع مسألة الانتخابات توحي بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة اتفاقا جرى بين طرفي التفاوض ننتظر أن تكشف لنا الأيام المقبلة تفاصيله .. وإن كان ذلك أيضا ليس موضوع المقال وربما نعود إليه بالتفصيل في مقال لاحق. إلا أن ما يعنينا هنا أن نبحث عن سؤالنا المشروع :
في رقبة من دماء جنودنا؟ وهل فاوض المجلس العسكري بدماء جنوده؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق